فى عام 1929 م أفتتح محل البن البرازيلى وكان اول متجر لبيع البن المطحون فى الاسكندريه
وفى عام 1959 م ادخل محمد صبحى الملقى محامص ومطاحن البن الألى
حيث لم يكن هناك سوى الطريقة اليدوية وقام بتأسيس أكثر من محل فى ذلك الوقت وذلك لإهتمامه بجودة البن ولذلك يعرف بأنه من أجود أنواع البن الموجود فى الأسكندريه من قديم الزمان
وقد تم تسليم الادارة فى عام 1997 الى السيد محمد المسيرى ليقوم بتطوير وافتتاح فروع اخرى للبن البرازيلى.
محل البن البرازيلي في الإسكندرية.. تاريخ يتألق في فنجان قهوة
أسسه يوناني.. وماكينة عمل الكابتشينو به الأقدم في العالم
مع بزوغ شمس كل يوم جديد، يقف المهندس يوسف المسيري - الشقيق الأكبر للكاتب والمفكر الراحل عبد الوهاب المسيري - على بوابة محله العتيق، متابعا حركة المارة وضجيج الحياة في شارع صلاح سالم في قلب الإسكندرية، مستمتعا برائحة البن الطازج المنبعثة من محل «البن البرازيلي».. يتلقى التحية من الغادي والقادم، فالكل يعرف المحل العريق الذي تجاوزت شهرة «الكابتشينو» الخاص به نطاق الإسكندرية، وأصبح له عشاق من جميع أنحاء العالم.
كل ركن في هذا المحل يجعلك مهووسا بالقهوة والبن، فالمحل الذي اتخذ شعاره من لون العلم البرازيلي والأهرامات والنخيل يعرفه الصغار والكبار في الإسكندرية، بديكورات فريدة، قوامها ورق البن الأخضر، وحبات البن القرمزية المتناثرة على جدران المحل، أو الجدارية التي تحكي رحلة البن من المزارع إلى المحمصة وتميز المحل، مع أن أحدا لا يعرف الفنان الذي قام بحفرها.
«كل زبون يدخل على الكابتشينو مباشرة».. هكذا بدأ المسيري حديثه إلى «الشرق الأوسط» عن المحل، مشيرا إلى أنه يواظب على الوجود يوميا لملاقاة زبائنه والاطمئنان على سير العمل، قبل أن يتوجه بعد ذلك إلى عمله الخاص. ويقول، بينما يلقي بنظرة يملؤها الحنين إلى واجهة زجاجية تحمل صورة زوجته الراحلة ووالدها: «الساعة 12 الظهر لا يوجد مكان لقدم، وهو رزق من عند الله، المدام كان رزقها واسع». ويسترسل في حديثه: «هذا هو أحد محلين يحملان اسم (البن البرازيلي) أسسهما عام 1928 اليوناني سيداريس، الذي كان يملك محلات (الصالون الأخضر). وتم تمصير المحلين سنة 1957، عندما قرر الخواجة سيداريس تصفية ممتلكاته، فاشتراهما محمد صبحي وحمدي غالب، وهما من أصل سوري، ثم حدث خلاف بينهما فانفصل المحلان. وبعد الانفصال اختلف الاسم، وأصبح محلنا معروف بـ(محل البن البرازيلي)، أما الثاني فاسمه (مخازن البن البرازيلي). حافظ محمد صبحي على النواحي المعمارية والجمالية في المحل، وعقب وفاته تولت الإدارة ابنته، زوجتي نادية - رحمها الله - التي أوصت بأن يتولاه بعدها ابني الصغير محمد المسيري، وأنا حاليا المدير التنفيذي للمحل».
ويروي المسيري الكبير أنه حينما تولى إدارة المحل كان يعمل به نادلان يونانيان. وكان المحل بمثابة بورصة، حيث كانت تتوسطه ماكينة «تيكر»، عليها أسعار العملات. وكانت الكلمات التي تتردد دائما داخل المحل: «اقطع، بيع، اشتري». ويقول: «عندما أغلق مكتب الصرافة المجاور، أصبحوا يجرون عملياتهم هنا، لكن منعت هذا حفاظا على راحة زبائني. طبعا في البداية كان معظم الزبائن من الأجانب، وكان به تصريح لشرب الخمور قبل تمصيره، لكن أصبح الأغلبية اليوم من المصريين. أعرف الناس بالاسم، ومن يتغيب يوما أو يومين أسأل عنه، وأداعبه قائلا: (مجيتش ليه؟ الإيراد قَلْ عندي)».
يقول المسيري وهو ينظر إلى جدارية تشكل واجهة المحل: «أعتز بهذه الجدارية جدا.. وعلى الرغم من أنني معماري، فإنني أوكل إلى متخصصين من كلية الفنون الجميلة مهمة ترميمها هي والأعمدة والرسومات التي تزين المحل. كما أعتز جدا بـ(الموزايكو) الذي يزين واجهه المحل، والذي صممه أحد المقاولين الإيطاليين، وتظهر بعض حروف من اسمه محفورة على الواجهة». وبسؤاله عن المقتنيات العتيقة التي تحتويها واجهة المحل الزجاجية، يقول: «أهمها الدولار الفضة، وفاتورة زواجي سنة 1959 التي توثق تكاليف دعوة 300 شخص في (سان ستيفانو) القديم».
ويستنكر المسيري تشويه الشكل المعماري لبنايات الإسكندرية، معتبرا ذلك وصمة في جبين المعماريين، وبخاصة أن الأماكن التي لا تزال تحتفظ بطابعها المعماري أصبحت قليلة جدا.
ديكور المحل لم يتغير منذ 80 عاما باستثناء إضافة الكراسي، لأن المحل كان يدعو زبائنه للاستمتاع بالقهوة «وقوفا»، حتى أن وزارة السياحة رفضت تغيير واجهة المحل باعتباره أثرا ومعلما سياحيا في الإسكندرية. ماكينة الكابتشينو الأثرية التي تبلغ من العمر 81 عاما تعتبر من المزارات المهمة لرواد المحل، وعنها يقول المسيري ضاحكا: «الطلاينة حاولوا كثيرا أن يأخذوها مني، في مقابل 3 ماكينات بدلها، لكن أنا لن أفرط فيها، وهي تعمل بطريقة (بساتم) السيارة، ولما أحب أصلحها أعطيها للميكانيكي لعمل عَمرة للموتور». ويوضح المسيري: «الكابتشينو أو الاسبريسو يعتمد على أشياء مهمة جدا، أولها نوع البن ودرجة تحميصه، ثم الماكينة وكمية البخار (أو درجة حرارة البخار الذي يخرج منها)، والعامل على الماكينة، لأن الذراع المستخدمة في كبس البخار يجب أن يتم التعامل معها درجة بدرجة حتى يخرج منها أروع كابتشينو.. على عكس الماكينة الكهربائية». ويستطرد: «نحن، بحمد الله، نتقدم يوما عن الآخر، ولدينا أحسن بن في الإسكندرية من دون منافسة».
وعن أهم زوار محله، قال: «أهم زيارة على الإطلاق كانت للملكة صوفيا، التي فاجأتنا بزيارتها عام 1995، واستندت إلى البار وطلبت كابتشينو، ثم ذهبت لصديقي محمد أحمد، صاحب أشهر محل فول. كذلك يأتي إلينا الكثير من اليهود المصريين والجريك (اليونانيين)، كما صور عندنا التلفزيون الفرنسي في إطار فيلم وثائقي عن الإسكندرية القديمة، وأشهر المحلات بها. ومن رواد المحل أيضا الشاعران فاروق جويدة وفاروق شوشة، وعدد من أدباء الإسكندرية».
ويؤكد المسيري أن «المحل له عشاقه، فحينما أعيد افتتاحه تجمع الزبائن وحرصوا على الحضور، ورقصوا احتفالا، ومعظمهم كان من الجريك الذين يشربون الـ(ستريسو)، وهي نصف كمية الاسبريسو وتتميز بمذاقها المُر ويشربونها من دون سكر».
المفارقة أن المسيري لا يشرب القهوة ولا الشاي، بل يشرب الأعشاب الطبيعية ويقول: «أنا أبيع البن بس، لكن لا أشربه».
وعن شقيقه عبد الوهاب المسيري، قال: «عبد الوهاب شقيقي الصغير، وبيننا 6 سنوات، لكن الناس حينما كانت ترانا يعتقدون أنه الأكبر. وقد حاولت أن أغريه بالعمل في التجارة، لكنه رفض حبا في الكتابة والأدب، لكن كان لازم ييجي هنا يشرب الكابتشينو».
عم أحمد، 65 سنة، عامل الكابتشينو أو «الكافييه ميكر»، هو أقدم عمال المحل. ودائما ما يتفاخر بأنه «أحسن واحد يعمل كابتشينو في مصر»، وأن «الكابتشينو اللي بيتعمل هنا مش ممكن تلاقيه في أي حتة تانية». يقول: «من يوم ما بدأ المحل، ونحن نستورد البن من المكان نفسه في البرازيل ونتعامل مع الناس نفسها»، مؤكدا أنه منذ عام 1929 لم يتغير مذاق البن بشهادة الزبائن. ويقول أيضا: «الطليان خاصة، مهما غابوا لازم يزوروا المحل من وقت للتاني، وبمجرد ما يرجعوا لإسكندرية ييجوا إلى المحل من المطار مباشرة. وكذلك الفرنسيين لكن عددهم أقل، لكن لا يمر يوم إلا وفيه زباين أجانب».
أما عادل إمام، المشرف على سير العمل في «البن البرازيلي»، فيؤكد أن هناك أشخاصا يأتون للبحث عن صورهم وذكرياتهم، مصطحبين معهم صورهم التي التقطوها منذ أكثر من 40 سنة، وهم يحبون عم أحمد ويلتقطون معه الصور التذكارية. ويشير إلى أن عدد العاملين عشرة أفراد، يعملون كخلية نحل، فكل المأكولات والحلويات تخبز طازجة، والمأكولات الإيطالية يقدمها شيف متميز، وأشهرها البيتزا، فضلا عن السناكس والساندويتشات والآيس كريم بنكهات متنوعة، لافتا إلى أن ما يميز المحل أن كل العاملين فيه أسرة واحدة، وهو سبب نجاح المحل.
ويضيف: «نبدأ يومنا في تمام الساعة 6 ونغلق 10 ونصف مساء، ولا يغلق المحل أبدا في النهار. وبسبب الموقع المتميز بين أكثر من 18 بنكا، فإن موظفي البنوك كلهم يتناولون الفطور في (البن البرازيلي) قبل التوجه إلى مكاتبهم. ويذكر أن الزبائن تربطهم صلة حميمية بالمكان، حتى أن أحد الزبائن كان يصطحب ابنه منذ طفولته للمحل، وعندما وصل للمرحلة الجامعية جاء إلينا وهو يتذكرنا ويتذكر شكل المحل، فهو ينطبع في الذاكرة».
وتقول السيدة عزة الملاح، من رواد المحل: «الكابتشينو هنا لا يضاهى، ويتحول لإدمان.. والجو العام في المحل مختلف عن أي مكان آخر، فهنا شعور بالحميمية تجاه كل شيء.. أشعر أنه مكاني ومحل عائلتي، ومنذ عشرات السنين وأنا أمر كل صباح آخد الكابتشينو قبل الذهاب للعمل، كما أن سعره معقول جدا». ويوفر المحل شراء البن طازجا، حيث يتم تحميصه بدرجات مختلفة، فهناك البن الفاتح أو الغامق أو المحروق، بعدها يطحن البن أمام الزبون ليكون طازجا، ويتم تعليبه بطريقة مميزة خاصة بـ«البن البرازيلي».
اللمحة الجميلة التي تميز محل «البن البرازيلي» تكمن في أن الكل يعرف موعدك وطلبك بالتحديد، فيمكن تحضير طلباتك قبل وصولك. والأمر الممتع حقا هو أن أصحاب المحل يأخذون برأي زبائنهم في إضافة أي تعديلات، وكل ما يتعلق بشؤون المحل، مما يقوي الروابط بينهم.. فهم يعتبرونهم أسرة المحل، وهو الأمر الذي ستلاحظه في أي ملصق إعلاني للمحل بالجملة الشهرية «نرحب بعائلة البن البرازيلي».